روائع مختارة | قطوف إيمانية | أخلاق وآداب | =وبالحـق أنزلنـــاه=

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > أخلاق وآداب > =وبالحـق أنزلنـــاه=


  =وبالحـق أنزلنـــاه=
     عدد مرات المشاهدة: 2202        عدد مرات الإرسال: 0

في خطبته صلى الله عليه وسلّم يوم بدر يوم الفرقان، يوم التقى الجمعان قال لأصحابه رضي الله تعالى عنهم: انظروا الذي أمركم به ربكم من كتابه، وأراكم من آياته، وأعزّكم به بعد ذلّة فإستمسكوا به، يرضى عنكم، وأبلوا ربّكم في هذه المواطن أمراً تستوجبوا به الذي وعدكم من رحمته ومغفرته، فإنّ وعده حق، وقوله صدق، وعقابه شديد، وإنّما أنا وأنتم بالحيّ القيّوم الذي ألجأنا ظهورنا إليه، وبه إعتصمنا، وعليه توكّلنا وإليه المصير، يغفر الله لي ولكم.

بهذه الكلمات الرحبة القويّة المنيبة إبتدأ الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلّم تلك الغزوة الفاتحة المبشّرة بتغيير وجه الأرض القاحلة إنسانيا المفلسة أخلاقيا وإجتماعيا، والضّالة عقائدياً.

حين كانت الجاهلية ثقافة سائدة تغمر الأرض بكل أطيافها وألوانها، وحين كانت النظم الإستعبادية نظاماً عالمياً تجمع عليه مشارق الأرض ومغاربها، وحين امتدت قرون الطغيان الوحشية، لتعمّ الأرض بسكانها الأشقياء جيلاً بعد جيل، حينها انطلقت أولى أشعة الدفء السماوي وأول كلمات التحرر.

وبداية خطوات التغيير والإنقلاب الأخلاقي الإنساني النزعة وغير المسبوق وغير المألوف أيضاً، لتقول للإنسان: إنّك عند الله كريما، ولتطلب منه أن يعيش في ظل هذا التكريم الربّاني الكريم.

حياة تبدأ بالخير وتنتهي به، وتقوم على العدل وتنتهي به، وهي قبل كل ذلك تأمره بألّا يعبد غير الله الذي يستحق العبادة، والذي هو أهل لها وحده سبحانه، ويشاء الرّحمن الرّحيم أن يجعل لهذه الإنسانية الكليمة مخرجاً وفرجاً ويشاء أن يملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً.

فيرسل رسوله {بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله} سواء منها ماسبقه من الأديان، أو ما عاصره منها أو ما ستتمخض عنه الجاهليّة الرعناء الغاشمة في كل زمان ومكان، من شرور فكرية، ومعتنقات منتنة، وأنظمة ظلاميّة تتوالى على الأرض ما دامت السماوات والأرض، مما يجعل الأرض محلاّ للصّراع الأبدي بين الحق والباطل، وبين الخير والشر وبين النّور والظلام.

ويظل القرآن الّذي أنزل على محمد رسول الله صلى الله عليه وسلّم وحده المنارة التي تنير للبشرية متاهات الضلالة، وموبقات القوانين الأرضية المرتكزة على النّفعية الظالمة.

وكيف لا يكون المنارة الهادية للنّاس، وقد أنزله ربّ النّاس بالحق والهدى والنور والرّحمة الربّانية المنزّهة عن النقائص، والغفلة والإغفال والتفريط؟.

وحاشاه أن يكون وربنا سبحانه يقول فيه {وبالحقّ أنزلناه وبالحق نزل}، {وما أرسلناك إلاّ مبشّرونذيرا}، ولكنّها العقول التي إنحنت أبدا للشيطان، وإستعبدتها أوامره ونواهيه، والقلوب التي عليها أقفالها الصدئة، لا تلين للحقّ ولا تتخذه سبيلاً.

وحيثما عرض لها عارض الغي إتخذته سبيلاً ومنهجا وتتمادى هذه القلوب العمياء والعقول التي لاتفقه، والصدور التي امتلاْت كبراً وإعراضاً وجهلاً لتصبّ جام حقدها وحسدها على أقدس مقدساتنا كتاب الله الكريم الذي {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه} وتتخذ لحربها هذه كلّ سبل الحرب وأدواتها.

فمن التشكيك بالأحكام وعدالتها.. إلى التشكيك بتواتر الآيات الطاهرة وصدقها وعدم تحريفها، إلى الإنتقاص من عدالتها ورحمتها، إلى تمزيق الصفحات القرآنية الطاهرة وإلقاءها في أماكن مهينة ولن يكون آخرها إهانة كتاب الله في أفغانستان على يد روّاد الحرب الصليبية الجديدة، كما أنه لن يكون أخرها محاكمة الأحمق تيري جونز للقرآن الكريم ذلك القس الّذي إتهمته ابنته بالجنون ليذلّه الله في بيته وولده.

ولم يكن آخرها قبل قرن من الزّمان حين وقف أحد رؤساء الوزارة البريطانية ليقول: نحن لن ننتصر على الشرق الإسلامي ما دام هذا القرآن فيهم، وهو يلوّح بنسخة من القرآن ويقف أحد نواب المجلس ليتناول من يده المصحف الشريف ويمزّقه ويلقيه في سلة المهملات، ويصرخ فيه الرئيس قائلا: أيها الأحمق ما هذا أردت فقط، إنّما أقصد تمزيقه في صدور المسلمين وقلوبهم.

لقد تهيأ لهذا الأحمق المافون أن القرآن فكرة قابلة للزّوال وأنه كتاب قابل للتلاشي ونسي قول الله الذي لم يؤمن به لحظة واحدة ولكننا نتلوه آناء الليل واطراف النهار، موقنين بأنّه الحق من ربّنا الحق {إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون} ونسوا هم ولم ننسى قول نبيّنا: «واعزّكم به بعد ذلّة» ونحن نتّخذه سبب العزّة ومنارة التمّيز والرقيّ والنّصر في كل ميدان من ميادين الحياة ومعركة المصير ومشروع النهضة القادمة بإذن الله.

فهل تفرّط أمة بحبل عزّتها وسرّ بقاءها؟ فافعلوا يا دعاة الضلالة وادعياء الحضارة ما بدا لكم، واركبوا أعنّة الحماقة ما شاءت لكم جهالتكم، وحاربوا ربّكم أنّى وأين ومتى وبما شئتم {فمن أظلم ممن افترى على الله الكذب أو كذّب بآياته إنّه لا يفلح المجرمون}.

لقد أجرمتم بحقّ ربكم ونبيّه وكتابه، وإستهنتم بأمة الإسلام كعهدكم، وأمنتم حكّامها، وإستضعفتم اقليّاتها ورتعتم في مرابعها، وقلتم أنّى لها النّصرة، ونسّيتم لجهلكم بمقوّمات الأمة الإسلامية، كيف تنهض من جديد، وتدفع عن كتابها وشرعها.

بل خشيتم أن يبعث فيها هذا القرآن الحياة من جديد وهو ما ترونه اليوم في مشارق الأرض ومغاربها دليل ذلك البعث القرآني، والمعركة لم تبدأ البارحة ولن تنتهي اليوم {إنّ موعدكم الصبح أليس الصبح بقريب}.

فالأمة إستيقظت، وعلماؤها ما زالوا هداة طريقها بفضل الله، وكتاب ربها ما يزال أعزّوأرفع مما تظنّون، وهدي نبيها محجة بيضاء توضح الطريق وتقود مسيرة الإنتصار.

وقبل هذا وذاك يشد عزمنا ويقوّي شوكتنا ويجدد يقيننا بالنَصر موالاة ربنا لنا {بل الله مولاكم وهو خيرالنّاصرين}.

 

الكاتب: رقية القضاة.

المصدر: موقع ياله من دين.